من منا لم يشاهد من قبل فيلم الأيدى الناعمة
وأضحكته شخصية دكتور حمودة ((دكتوراه فى حتى)) ولمست لديه نبض الشارع المصرى
ومشكلات شباب هذا الجيل،ورغم مضى كل هذا الوقت إلا أن تاريخ مصر الحديث غالباً ما
يعيد نفس الأدوار والشخصيات والمواقف ليبث بها الروح من جديد.
توفيق الحكيم من مواليد الإسكندرية عام 1898م
لأب مصرى يعمل بسلك القضاء وأم تركية ،تخرج من كلية الحقوق عام 1925م ثم غادر إلى
باريس من 1925-1928م لنيل شهادة الدكتوراة فى القانون ،ولكن أثناء مكوثة فى باريس كان يزور
متاحف اللوفر وقاعات السينما والمسرح فأكتسب ثقافة واسعة من الإطلاع على الأدب العالمى
فى مقدمته اليونانى والفرنسى، ورغم عدم إتمامه للدكتوارة عاد لمصر محملاً بعبق
الثقافات الأخرى التى ستغير من حياته للأبد.
عاد
الحكيم إلى مصر فى سنة 1928م بعد طلب من والده ، ليعمل وكيلاً للنائب العام سنة
1930م فى المحاكم المختلطة بالإسكندرية ثم فى المحاكم الأهلية، وفى سنة 1934م إنتقل
إلى وزارة المعارف ليعمل مفتشاً للتحقيقات، ولكن قبل ذلك التاريخ بعام، أى فى عام
1933م بدأ الحكيم أول مشواره فى المجال
الأدبى من خلال نشررواية ((عودة الروح)) ومسرحية ((أهل الكهف)) وكانت بداية الطريق
لرائد من رواد الفن المسرحى بمصر، وتلى ذلك شغل الحكيم لأكثر من منصب أدبى ليسطر
حكاية جديدة.
وإستطاع الحكيم المزج بين الرمزية والواقعية فى كتاباته على نحو
فريد يتميز بالخيال والعمق دون تعقيد أو غموض،ففى إسطورة إيزيس التى إستوحاها
الحكيم من ((كتاب الموتى)) ،فإن أشلاء أوزوريس الحية فى الآسطورة هى مصر المتقطعة
الآوصال التى تنتظر من يوحدها ويجمع أبنائها على هدف واحد. و((عودة الروح)) هى
الشرارة التى أوقدتها الثورة المصرية، والحكيم فى هذه القصة يعمد إلى دمج تاريخ
حياته فى الطفولة والصبا بتاريخ مصر،فيجمع بين الواقعية والرمزية معاً على نحو جيد
.
كما ساهم
الحكيم فى إثراء المسرح العربى وتقديمه لقضايا فكرية ودينية وسياسية فى أسلوب سلس
وواضح ،ورغم أن هذه الفترة كانت مقتصرة على قلة من الأعمال المسرحية المستوحاة عن
أعمال أجنبية إلا أنه إستطاع إدخال روح وتفكير الشخصية العربية للكتابة المسرحية
رغم تأثره الكبير بالأدب الغربى.
إتهمه الكثير بأنه ((عدو المرأة)) ويقول الحكيم أن السبب فى إتهامه كما رواه
ل((صلاح منتصر)) فى كتابة ((شهادة توفيق الحكيم الأخيرة))، يرجع إلى السيدة هدى
شعراوى بسبب مهاجمتى لأسلوبها فى تشكيل
عقلية المرأة المصرية خاصة البنات، بأن
حذرتهن من الإستمرار فى حياة الجوارى وخدمة الرجال والأزواج فى البيت ،لأنهن
مساويات للرجل فى كل شئ، وإشتكى له بعض الآزواج من تفكير زوجاتهم بتلك الطريقة، ولكن
كتابات الحكيم كانت على العكس من ذلك فقد أظهر حبه وإحترامه للمرأة ،بل بلغت فى
بعض مسرحايته وقصصه حد التقديس. كما فى مسرحية إيزيس حيث جسد فيها شخصية ملكة قوية
مخلصة لزوجها تسعى لتغيير مستقبل الحكم فى مصر، لتعيد الحكم المغتصب من زوجها
لأبنها ثانية ، بعد مقتل زوجها الملك وتقضى على فساد الحكم آنذاك.
ولا نستطيع إنكار إبداع الحكيم فى وصف جمال
الفتيات اللاتى قابلهن بقصصه أثناء ترحاله بطريقة تحتل العقل دون إبتذال ترافق
جمال الأماكن نفسها. كما جاء فى (عصفورمن الشرق) لوصف عاملة شباك تذاكر المسرح وكأنها لوحة تجسد المرأة الآوربية كما يجب بكل
صفاتها الشخصية كجامحة ومستقلة وتمتلك قدراً من الجمال بفضل البيئة المحيطة ليضفى
سحرها على مشاهد الآحداث ،و((راقصة المعبد )) لما تحوية من مفارقة بين نموذجين
لسيدتين واحدة من مصر وأخرى من بولنيا موضحاً معها كيفية النظرة للجمال مابين
الشرق والغرب، ليأخذنا فى رحلة لمعاصرة ثقافتين مختلفتين ربما لا يفصل بينهما
الكثير من الوقت ، لنجد عنصراً كما العِلم يشكل ملامح الشخصية فيصدح الفرق بين عالمين
كما المقارنة بين السماء والآرض.
وتعتبر بعض كتاباته توثيق للشارع المصرى
وتاريخ تشكيل فكره كما ب((يوميات نائب بالأرياف)) و((عدالة وفن))، ورغم ما بهما من
مواقف مضحكة إلا أنها تحوى جزءاً هاماً من تاريخ مصر وظروف العيش لآكثر من طبقة
فتعد كدراسة إجتماعية تختلط بأجزاء الرواية فتصبح كما النسيج المتشابك لا ينفصل عن
بعضه .
وبرغم وصف الحكيم للمرأة برواياته على أنها تكاد
تكون مخلوقاً مثالياً منزهاً عن عيوب العالم ، لتجد نفسك تتساءل : هل من الممكن
إيجاد مرأة بتلك المواصفات ، إلا أن الحكيم تزوج بعام 1946م أثناء عمله بأخبار اليوم، وأنجبت له
زوجته طفلين هما: إسماعيل وزينب، ولم يعرف أحد بذلك حتى إنتقده مصطفى أمين فى
إخفاءه للأمر ، ولكنه برر ذلك بأنه كان يبحث عن زواج غرضه الأول تأسيس بيت يصلح
لحياة فنان، لست بصدد الحكم على شخصية توفيق الحكيم فى أمر الزواج إلا أننا جميعاً كبشر لا نستطيع العيش مع إنسان ما إن لم
نكن راغبين بذلك ، فربما صادف الحب فعلاً أثناء زواجه لينهى بذلك مأساة ذلك العاشق
الوحيد الذى تتركه حبيبته بنهاية كل رواية، ربما لم يريد بنهاية الرواية أن تكون
مألوفة كما عهدنا بالزواج بمن تحب لتعيش بسعادة وهناء وتحظى بفتيه وفتيات، ولكن
ربما أراد أن يجعله حباً سامياً لا يُنسى ،فدوماً ما لم نستطع الحصول عليه يشكل
عائقاً امام نسيانه..
حصل الحكيم على العديد من الجوائز عن أعماله
الأدبية ومنها: قلادة الجمهورية ، وجائزة الدولة فى الأداب عام 1960م ووسام الفنون
من الدرجة الأولى، وقلادة النيل عام 1975م
.
ليرحل الحكيم عن عالمنا عام 1987م تاركاً وراءه
كم هائل من المسرحيات والروايات والقصص التى غيرت من وجه المسرح فى مصر ومن ذخيرة
المكتبة العربية
بقلم/#أمنية_عبدالعزيز
#omnia_abdelaziz .
بقلم/#أمنية_عبدالعزيز
#omnia_abdelaziz .
No comments:
Post a Comment